--------------------------------------------------------------------------------
ما المعصية التي إذا عملها الملتزم حبط التزامه كله، ولم يعد ينفعه معها استمراره في هذا الطريق، طريق الالتزام؟
ونعني بحبوط الالتزام ضياع أجره في الآخرة.
يقول أحدهم: كل معصية تحبط الالتزام وإن دقت، لأن المسلم متى ما سلك طريق الالتزام لا يصح صدور أية معصية منه.
ويقول آخر: يحبط الالتزام ترك صلاة الجماعة، وحلق اللحية، ومعاصٍ من هذا المستوى.
ويقول آخر: بل يحبطه الفواحش الكبيرة كالزنا واللواط.
ويقول آخر: لا يحبط الالتزام إلا أكبر الكبائر، كالقتل وأكل الربا واليمين الغموس.
وهكذا تتنوع الإجابات، ولم نعرف الصواب منها.
لكي نصل إلى إجابة صائبة، دعونا نقرر الأمور التالية:
لفظ ملتزم لفظ عُرفي - تعارف عليه الناس - أكثر من كونه لفظاً شرعياً. ففي الشرع المسلمون جميعاً (الصالح والطالح) مأمورون بالالتزام والاستقامة والتوبة من جميع الذنوب، وليس الالتزام مختص بطبقة دينية معينة هي صفوة المجتمع كما يتوهم البعض. فالله سبحانه يقول: "فاستقم كما أمرت ومن تاب معك"، ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم: "قل آمنت بالله ثم استقم". والاستقامة هي الالتزام بالشرع. وعليه، سواء كانت للمسلم كبائر أم لا، هو ملزم بالدين كله.
لا يخلو ابن آدم من معصية مهما كان صلاحه، للحديث:"كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون".
يصح العمل الصالح من كل مسلم، والسلامة من الذنوب ليست شرطاً في صحة العمل الصالح.
فاعل الكبائر لا يخرج من الإسلام لكنه يوصف بالفسق، والكبائر تنقص من إيمانه، وتجعله متوعداً بعذاب الله.
الحسنات يذهبن السيئات، كما يقول الله عزوجل: "إن الحسنات يذهبن السيئات".
كل حكم شرعي يلتزم به المسلم هو من حسناته. وكلما زاد المسلم في تعلم أحكام الشرع وتطبيقها على نفسه، كلما زاد رصيده من الحسنات التي تذهب السيئات.
الحالة التي يحبط فيها عمل المسلم هي أن يأتي بناقض من نواقض الإسلام.
إذا كان الأمر كذلك فما جواب السؤال الذي بدأنا به:
ما المعصية التي إذا عملها الملتزم حبط التزامه كله، ولم يعد ينفعه معها استمراره في هذا الطريق، طريق الالتزام؟
الجواب: هي الردة عن الإسلام بأن يأتي بناقض من نواقض الإسلام. لأن طريق الالتزام هو طريق الإسلام. ولا ينقطع المسلم عن طريق الإسلام إلا بالردة.
وما عدا ذلك، فكل ذنب وإن عظم لا يُسوِّغ لمسلم ترك التزامه بالدين.
ولعل في هذا توضيح للسبب الذي يجعل الفقهاء يوردون مثل هذه المسائل في كتب الفقه:
إذا أتى رجل امراة في دبرها فهل عليه غسل؟! مع أن هذه الفعلة من كبائر الذنوب.
إذا سافر رجل سفر معصية – للزنا مثلاً – فهل يترخص برخص السفر؟!
فهذان المثالان ربما يضحك منهما بعض الناس، ولايدرون أن المسلم لا ينفك عن التزامه بالشرع ما دام مسلماً وإن فعل ما فعل.
ما الفائدة المستفادة من طرح هذا الموضوع؟
نجد حالات متكررة لصاحب كبائر، يتوب ويلتزم، ويتعلم من أحكام الشرع أحكاماً كثيرة، ويطبقها على نفسه لا يُقصِّر في ذلك، ثم تمر الأيام، فيطول عليه الأمد، ويقسو قلبه، ويصيبه الفتور، فيبدأ بالرجوع إلى معاصي الماضي. فيعود إلى ما لم يصبر عنه من ذنوب الماضي، إلا أنه ومع هذه الانتكاسة لا ينقطع عن تعلم الدين ولا عن تطبيق المزيد من الأحكام على نفسه ولا عن مخالطة الصالحين.
فهل استمراره في الالتزام مع هذه الانتكاسة مضيعة للوقت في التزام حابط؟
على ضوء ما قررنا من أصول أعلاه، نقول:
هو عند الله فاسق بعودته إلى الكبائر وإن كان الناس يعدُّونه صالحاً. وعليه أن يعلم أن الله يمكن أن يفضحه في أي لحظة. وإن مات بدون توبة، فهو معلق بمشيئة الله، إما أن يعذبه، وإما أن يغفر له.
استمراره على الالتزام بالشرع واجب عليه وإن فعل من المعاصي ما فعل. وكل حكم يطبقه يكون في ميزان حسناته.
طلبه للعلم ليطبق على نفسه ما جهل من شعائر الإسلام هوأيضاً من حسناته.
استمراره في مخالطته للصالحين قد تنفعه وهي لا تضرهم ما دام مستتراً بذنبه.
والله أعلم.