الميزان عند أهل السنة
الميزان عند أهل السنة ميزان حقيقي توزن به أعمال العباد وخالف في هذا المعتزلة ، وقلة قليلة من أهل السنة .
قال ابن حجر : " قال أبو إسحاق الزجاج : أجمع أهل السنة على الإيمان بالميزان ، وأن أعمال العباد توزن به يوم القيامة ، وأن الميزان له لسان وكفتان ويميل بالأعمال ، وأنكرت المعتزلة الميزان ، وقالوا : هو عبارة عن العدل فخالفوا الكتاب والسنة ، لأن الله أخبر أنه يضع الموازين لوزن الأعمال ، ليرى العباد أعمالهم ممثلة ليكونوا على أنفسهم شاهدين .
وقال ابن فورك : أنكرت المعتزلة الميزان ، بناء منهم على أن الأعراض يستحيل وزنها إذ لا تقوم بأنفسها .
قال : وقد روى بعض المتكلمين عن ابن عباس أن الله تعالى يقلب الأعراض أجساماً فيزنها . انتهى .
وقد ذهب بعض السلف إلى أن الميزان بمعنى العدل والقضاء ، وعزا الطبري القول بذلك إلى مجاهد .
والراجح ما ذهب إليه الجمهور .
وذكر الميزان عند الحسن فقال : له لسان وكفتان " (1) .
وعزا القرطبي تفسير الميزان بالعدل إلى مجاهد والضحاك والأعمش (2) .
ولعل هؤلاء العلماء فسروا الميزان بالعدل في مثل قوله تعالى : ( وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ - أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ - وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ) [ الرحمن : 7-9 ] ، فالميزان في هذه الآية العدل ، أمر الله عباده أن يتعاملوا به فيما بينهم ، أما الميزان الذي ينصب في يوم القيامة فقد تواترت بذكره الأحاديث ، وأنه ميزان حقيقي، وهو ظاهر القرآن (3) .
وقد رد الإمام أحمد على من أنكر الميزان بأن الله تعالى ذكر الميزان في قوله : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ) [ الأنبياء : 47 ] . والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر الميزان يوم القيامة ، فمن رد على النبي صلى الله عليه وسلم فقد رد على الله عز وجل (4) .
وقد استدل شيخ الإسلام على أن الميزان غير العدل ، وأنه ميزان حقيقي توزن به الأعمال بالكتاب والسنة ، فقال :
" الميزان : هو ما يوزن به الأعمال ، وهو غير العدل كما دلَّ على ذلك الكتاب والسنة ، مثل قوله تعالى : ( فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ) [الأعراف : 8] ، ( وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ) [المؤمنون : 103] ، وقوله : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ) [ الأنبياء : 47 ] .
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم " . وقال عن ساقي عبد الله بن مسعود : " لهما في الميزان أثقل من أحد " .
وفي الترمذي وغيره حديث البطاقة ، وصححه الترمذي والحاكم وغيرهما في الرجل الذي يؤتى به ، فينشر له تسعة وتسعون سجلاً ، كل سجل منها مد البصر ، فيوضع في كفة ، ويؤتى ببطاقة فيها شهادة أن لا إله إلا الله . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فطاشت السجلات وثقلت البطاقة " . وهذا وأمثاله مما يبين أن الأعمال توزن بموازين تبين بها رجحان الحسنات على السيئات وبالعكس ، فهو ما به تبين العدل ، والمقصود بالوزن العدل ، كموازين الدنيا .
وأما كيفية تلك الموازين فهو بمنزلة كيفية سائر ما أخبرنا به من الغيب " (5) .
وقد رد القرطبي على الذين أنكروا الميزان وأولوا النصوص الواردة فيه وحملوها على غير محملها قائلاً : " قال علماؤنا ولو جاز حمل الميزان على ما ذكروه ، لجاز حمل الصراط على الدين الحق ، والجنة والنار على ما يرد على الأرواح دون الأجساد من الأحزان والأفراح ، والشياطين والجن على الأخلاق المذمومة ، والملائكة على القوى المحمودة ، وهذا كله فاسد ، لأنه رد لما جاء به الصادق ، وفي الصحيحين فيعطى صحيفة حسناته ، وقوله : فيخرج له بطاقة ، وذلك يدل على الميزان الحقيقي ، وأن الموزون صحف الأعمال كما بينا وبالله التوفيق " (6.........................